تاريخ النشر 21 أكتوبر, 2024
تخيل معي هذا المشهد: طفل يذهب مع أهله لمكان جديد ويقابل أشخاصاً جدد وبدلاً من البكاء يقول” أنا متوتر الآن”، بالتأكيد استغربت وربما ابتسمت!
موضوع تنمية الذكاء العاطفي عند الطفل وبالرغم من أهميته الشديدة إلا أنه لا يلقى الاهتمام الكافي، فكثير من الآباء والأمهات يغفلون عن توجيه ومساعدة الطفل على فهم وإدارة مشاعره أو ربما لا يعرفون الطريقة الصحيحة لذلك، ويتم توجيه الاهتمام عادة إلى احتياجات الطفل الأساسية والواضحة مثل الاهتمام وتوفير الطعام والتعليم واللباس ومساحة للعب، ولكن ماذا عن التحديات التي قد يواجهها الطفل خلال أنشطته اليومية في المدرسة أو مع الأصدقاء، وما ينتج عنها من مشاعر تراكمت مع مرور الأيام دون أن يدرك الطفل ما هي أو كيف ولمن يعبر عنها بالشكل الصحيح فكانت النتيجة الكبت وميل الطفل للإحباط والعزلة.
فوائد الذكاء العاطفي عند الطفل:
توازن عاطفي، صحة نفسية أفضل، علاقات اجتماعيةٌ إيجابية، نجاح دراسي وغيرها الكثير من الميزات التي سينعم بها الطفل عند امتلاكه ذكاءً عاطفياً، تجتمع مع بعضها لتشكل أساساً قوياً يدعم نموه وتطوره في مختلف جوانب الحياة.
تؤكد الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتمتعون بذكاء عاطفي لديهم مرونة نفسية ومستويات أقل من القلق والاكتئاب والسلوك العدواني، وهذا يشير إلى أهمية التعليم المبكر للطفل وتدريبه على التحكم في عواطفه وانفعالاته ليصبح قادراً الآن وفي المستقبل على تقبل صعوبات الحياة والتكيف مع التحديات النفسية والاجتماعية.
الجدير بالذكر أن الذكاء العاطفي ليس بالضرورة أن يكون فطرياً وإنما يمكن اكتسابه من خلال التعليم والتدريب، وهنا يأتي الدور الرئيسي للأهل والمربين في توفير الطريقة الصحيحة والمُمنهجة والأدوات والتطبيقات المناسبة لتعليم الطفل كيف يفهم مشاعره، يحددها، ويعبر عنها بشكل صحي، ولا بد من التأكيد على أهم وأول هذه الأدوات وهو توفير مساحة حوار آمنة وداعمة يشعر فيها الطفل فيها بالراحة في التعبير عن مشاعره.
يمكن القول أن اهتمام الأهل بتعليم أطفالهم الذكاء العاطفي هو استثمار للمستقبل ومساهمة في بناء إنسان متوازن يتمتع بحالة نفسية مستقرة تمكنه من النجاح في الحياة بصورة عامة.
الخطوات العملية لتنمية الذكاء العاطفي عند الطفل:
1-كن قدوة له:
عندما يُظهِر الأهل مشاعرهم بصدق ووضوح فإنهم يعلِّمون الطفل أن المشاعر طبيعية مقبولة ويمكن التعبير عنها بكل أريحية. يمكنك التقرب من طفلك من خلال إخباره عما مررت به خلال اليوم والحديث عما اختبرته من مشاعر سلبية أو إيجابية وما الدرس أو العبرة التي استخلصتها من ذلك الموقف، هذا النوع من الحوار يعزز الوعي العاطفي عند الطفل وقدرته على تحديد مشاعره وتقبلها.
2– تزويد الطفل بحصيلة كافية من المفردات العاطفية:
يرافق شعور الإحباط الكثير من الأطفال حتى مراحل متأخرة من الطفولة وربما المراهقة لعدم قدرتهم على وصف ما يشعرون به وبالتالي عدم كسب التعاطف أو الحصول على المساعدة، ولذلك من المهم البدء منذ مراحل الطفولة المبكرة في تعليم الطفل الكلمات المعبرة عن كل شعور، حتى يستطيع تحديد مشاعره بدقة والتعبير عنها. يمكن بناء قاموس المفردات العاطفية بعدة طرق وأهمها اللعب خاصة في مراحل الطفولة المبكرة ومن أبرز الألعاب:
_لعبة الانفعالات: تغيير تعابير الوجه والطلب من الطفل تخمين هذه المشاعر وتعليمه الاسم الصحيح لها.
_وصف المشاعر: يمكنك طباعة صور متنوعة تعبر عن مشاعر مختلفة وعرضها على الطفل والطلب منه اختيار الصورة التي تعبر عن مشاعره في الوقت الحالي.
يمكن أيضاً الاستفادة من المواقف اليومية لترسيخ فهم شعور معين، على سبيل المثال: عندما ينهي طفلك مهمة ما أو تركيب لعبة صعبة وتبدو عليه علامات السعادة قل له: لقد قمت بعمل رائع يمكنك أن تقول أنا أشعر بالسعادة الآن، عندما تخططان لرحلة أو نشاط ما وجِّه طفلك ليقول أنه يشعر بالحماس.
3-تقوية التعاطف عند الطفل مع الآخرين:
تعليم الطفل التعاطف مع مشاعر الآخرين وتقييم المواقف من وجهة نظرهم هو طريقة غير مباشرة وفعالة جداً في تنمية ذكائه العاطفي وقدرته على التواصل الاجتماعي مع نفسه والآخرين. فالتعاطف ليس مجرد شعور وإنما هو قدرة فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بطريقة إيجابية. من أفضل وأبسط الطرق لتحقيق ذلك هي الاستفادة من وقت قراءة القصص لمناقشة مشاعر الشخصيات مع الطفل أو حتى مراجعة المواقف التي مر بها خلال اليوم في المدرسة أو أثناء اللعب. في حال كان الطفل أصغر سناً يمكنك أن تطلب منه تمثيل ردة فعل صديقه مثلاً من خلال تقليد تعبيرات وجهه، وهذا التقليد سيجعله يختبر الشعور ولو للحظات قليلة وبالتالي ينمي عنده حس التعاطف ومعرفة كيف تؤثر أفعاله أو كلماته على مشاعر الآخرين.
4-الاستماع للطفل بدون مقاطعات ومنحه مساحة آمنة للتعبير عن مشاعره بحرية:
يمكنك بناء تواصل حقيقي وفعال مع طفلك بداية من الاستماع له. خصص وقتاً يومي للحديث معه دون أي لوم أو نقد، دعه يسترسل في سرد أفكاره ومشاعره دون طرح أسئلة أو تقديم نصائح مع إعطاءه الاهتمام الكامل وتقبل أي مشاعر يبوح بها وإخباره أن كل ما شعر به طبيعي وأن هناك العديد من الطرق السليمة للتعامل مع المشاعر السلبية كالغضب أو الحزن أو الخوف.
5-التمثيل ولعب الأدوار:
جميعنا نعلم لعبة “بيت بيوت” التي كانت من أشهر ألعاب الطفولة وما زالت، والسبب أن الأطفال يعشقون فكرة لعب أدوار جديدة وتقمص شخصياتها. يمكنك الاستفادة من ذلك لتعزيز الذكاء العاطفي عند الطفل من خلال محاكاة قصص متعددة تتيح للطفل لعب أدوار متنوعة واختبار مشاعر كثيرة حسب المواقف، استثمر هذه الفرصة لتوجيهه ومساعدته على التفكير في حلول مبتكرة بالإضافة إلى اكتسابه مهارة حل المشكلات والثقة بالنفس عند التعامل مع مواقف الحياة المتنوعة.
بالتأكيد المهمة ليست سهلة فهي تحتاج للكثير من الوعي والتدريب المستمر، ومع مرور الوقت سيكبر الطفل ويواجه تحديات جديدة تصقل شخصيته وتمكنه من تطوير مهاراته العاطفية ولكن هناك احتمال خطير وهو اتجاه الطفل للكبت لأسباب عديدة، ولذلك من المهم أن تكون عوناً له في هذه المرحلة الحساسة مستنداً إلى معلومات وطرق منهجية صحيحة وموثوقة، ولذلك نقدم دورة الذكاء العاطفي، الموجهة للأهل والمربين بحيث تقدم فكرة شاملة عن الذكاء العاطفي بكامل تفاصيله، بالإضافة إلى توضيح الطرق الصحيحة التي يجب أن يتعامل بها المربي مع الطفل عندما لا يفهم مشاعره أو يعبر عنها بطريقة خاطئة، وطرق عملية تهدف إلى مساعدة الطفل ليفهم مشاعره ويعبر عنها بشكل صحيح، وبالتالي بناء إنسان متوازن مستقل عاطفياً، واثق بنفسه، ناجح اجتماعياً قادر على فهم نفسه والآخرين.
نصيحة اليوم
باقة الطفل السعيد بين يديكِ الآن لتربية طفل مستقل و سعيد ❤️