تاريخ النشر 25 نوفمبر, 2022
قررت منذ بداية حملي أن تكون ولادتي طبيعية تماماً; السبب الأول، رغبتي بالاستمتاع بكافة تفاصيل التجربة، بقمة وعيي وإدراكي، والسبب الثاني، هو فضولي لاختبار الألم الذي تعجز أغلب الأمهات عن وصفه.
لم ألق تشجيعاً كبيراً من النسوة المحيطات بي على الولادة الطبيعية، وكنت أسمع الرد نفسه: “كلنا منقول بدنا طبيعي بس وقت يجي الألم حتطلبي أي مخدر شو ماكان تأثيره بكرة بتشوفي”..
مرّ الشهر الأخير ببطء كبير، كنت أنتظر كل يوم ألماً ينبؤني بقدوم ابنتي، إلى أن وجد الألم طريقه إلى جسدي يوم الخميس 25 تشرين الثاني، معلناً بداية المرحلة الأولى من الولادة، حيث تكون دفعات الآلام متباعدة ومحتملة.
كنت سعيدة للغاية رغم الألم الشديد، لكن خوفي من مراحل الألم القادمة هو ما كان يقلقني طوال الوقت. مع كل واحدة من آلام المخاض، كنت أتساءل في نفسي عمّا ينتظرني من ألم في مرحلة المخاض الأخيرة، إذا كانت هذه البداية فحسب.
آلام المخاض المستمرة من فجر الخميس حتى ليل الأحد، لم تترك لعينيّ فرصة للنوم أكثر من دقائق متقطعة، ورغم الآلام والتعب، شعورٌ بالمتعة والسعادة كان يسيطر على قلبي، فقد بات يفصلني عن رؤيتها آلامٌ معدودة..
مساء الأحد بدأت المرحلة الأخيرة، اشتد فيها الألم واشتدت معه صرخاتي…
صار غير محتمل.. لا يطاق.. ولا يمكن وصفه; فكل موضع في جسدي يؤلمني، لا أستطيع أن أحدد مكان الألم.. لا وضعية تريح جسدي المنهك، وأشعر بعظامي تتكسر. جسدي باردٌ وساخنٌ في آن معاً. في تلك اللحظات لمعت في ذهني الكثير من العبارات التي توصف بها آلام المخاض، من حرق من الدرجة الثالثة إلى بترٍ دون مخدر… الخ، لكنني أستطيع أن أجزم أنه أكثر إيلاماً من كل ما سبق..
وأخيراً، نحن في الطريق إلى المشفى، استقبلتني “ميد وايف” (القابلة المسؤولة عن الولادة) وبعد فحص سريع قالت استجمعي قواكِ فابنتك على وشك الولادة.
كنت قد اخترت مسبقاً أسلوب التوليد في حوض مائي، فجُهّز الحوض الدافئ، وقضيت الدقائق الـ45 الأخيرة من آخر مراحل المخاض في الماء، حين كانت روحي تخرج من جسدي مئات المرات، وصرخاتي تدوّي بين جدران المشفى. لا أذكر من تلك اللحظات سوى صوت زوجي في أذني بين الفينة والأخرى يهمس: “حبيبتي أنا فخور فيكي وأنتي قوية”، وعند الساعة 1:00 بعد منتصف الليل قالت القابلة: “انظري من يوجد هنا”، وكانت هذه من أجمل العبارات التي سمعتها في حياتي، التفتّ برأسي يميناً لأرى ابنتي تنتظرني تحت الماء.
لحظة تساوي العمر، لاتوصف ولا تقدر بثمن.. نسيت كل ماكان قبلها.. لحظة غيرت عالمي.. حملت ابنتي وبدأت بالصراخ: بنتي حلوة بنتي حلوة!!
ضممتها إلى جسدي المتعب وضمنا زوجي اثنتينا إلى صدره وهو يهمس في أذني: “برافو عليكي”، لم تبكِ ابنتي، خرجت مفتوحة العينين تنظر إلى وجهي وكأنها تعرفني منذ سنين…
قطع زوجي الحبل السري; مشهدٌ أبسط وصفٍ له أنه عظيم، كعظمة تفاصيل تلك الليلة التي حملت لنا أجمل هدية…
تجربة كانت الأروع في حياتي، شعرت بعدها أنني إنسان عظيم، وراودتني رغبة في الصراخ مراراً “فعلتهااا.. فعلتها وانا بوعي تام.. دون أي تخدير..
فعلتها بقوتي وبوجود شريك رائع ومتفهم غمرني بحنانه في أصعب لحظات حياتي.. كان السند والدعم الذي يعطيني جرعات القوة اللازمة في الوقت المناسب”.
نصيحة اليوم
باقة الطفل السعيد بين يديكِ الآن لتربية طفل مستقل و سعيد ❤️