تاريخ النشر 10 أغسطس, 2025

منذ اللحظة التي بدأت فيها طفلتي الصغيرة بالكلام، تغيّر شيء عميق في يومنا العائلي. كانت كلماتها تتدفق كعصافير صغيرة تتعلم الطيران لأول مرة، متعثرة أحيانًا، مضحكة أحيانًا أخرى، لكنها دائمًا مفعمة بالحياة والعفوية.
كنا جميعًا نجلس حولها منصتين بكل حواسنا، نتابع كل جملة تقولها، نضحك حين تخطئ، ونندهش من خيالها الواسع الذي لا يعرف حدودًا.

كانت تبدأ حديثها بحماس كبير، نسمع منها قصصًا غريبة عن ألعابها، عن حكايات في خيالها، أو مواقف عاشتها في الحضانة. وكلما تحدثت أكثر، كلما زاد بريق عينيها لأنها تشعر أننا نستمع.

فوائد الاستماع للأطفال

أقول لها دائمًا:
– “أووو فعلاً؟ وماذا حدث أيضًا؟”

فتبتسم وتسترسل في الكلام، تشرح وتقلد وتضحك، ونحن بدورنا نشاركها الاهتمام والتعليق حتى تُنهي هي حديثها بنفسها.

في تلك اللحظات، تذكرت طفولتي أنا… حين كان الحديث للكبار فقط.
كم مرة قيل لنا:
– “هذا حديث كبار!”
– “اسكتي ولا تتدخلي!”
– “عندما يتكلم العم نحن نسكت!”
– “أوووف، يكفي أسئلة، اسكتي!”

كانت تلك العبارات تتكرر كثيرًا في بيوتنا، حتى ظنّ الكثيرون أن الطفل الجيد هو الطفل الصامت، لا يعلّق ولا يسأل ولا يتحدث إلا إذا طُلب منه.
لكن ما لم ندركه حينها أن هذه الجمل البسيطة كانت تسلب منا شيئًا ثمينًا جدًا: حقّ الكلام.

حقّ الطفل في الكلام والاستماع له

حين نتأمل في تلك العبارات القديمة، ندرك أننا كنا نرتكب خطأ تربويًا كبيرًا دون أن نشعر.
فمن الذي أعطى الكبار الحق في أن يصادروا كلام طفل صغير؟
كيف يمكن أن نهز ثقة طفل بنفسه فقط لأنه أراد أن يشاركنا فكرة أو سؤالًا؟

الحقيقة أن الحديث ليس حكرًا على الكبار، بل هو مساحة مشتركة يتعلم فيها الصغير كيف يعبّر عن ذاته وكيف يُصغي للآخرين.
من هنا تأتي أهمية آداب الاستماع للأطفال وفوائد الاستماع للأطفال التي تُحدث فرقًا هائلًا في شخصية الطفل ونضجه الاجتماعي والعاطفي.

إن الطفل الذي يُسمح له بالكلام ويُستمع إليه باهتمام، يتعلم أن صوته مسموع، وأن أفكاره لها قيمة، وأن العالم من حوله يُقدّره.
أما الطفل الذي يُسكت في كل مرة، فإنه يتراجع، يصمت، ويبدأ في فقدان الثقة بنفسه وبالآخرين.

عندما يتكلم الصغار، أنصتوا باحترام

كم هو جميل أن نرى الأهل ينصتون لأطفالهم باهتمام، ينظرون إليهم في أعينهم، ويُظهرون التفاعل في كل جملة يقولونها.
إن فوائد الاستماع للأطفال لا تقتصر على تقوية العلاقة العاطفية بين الأهل والطفل، بل تمتد لتشمل جوانب تربوية ونفسية عديدة، منها:

  1. تعزيز الثقة بالنفس:
    عندما يرى الطفل أن والديه يصغيان إليه ويهتمان بما يقوله، يشعر بأنه شخص مهم وقادر على التعبير.
  2. تنمية مهارة التواصل:
    الإصغاء الجيد يساعد الطفل على تعلم بناء الجمل، وترتيب الأفكار، والتحدث بوضوح وثقة.
  3. تعلم الاحترام المتبادل:
    من خلال ممارسة آداب الاستماع للأطفال، يتعلم الطفل أن يصغي بدوره للآخرين عندما يتحدثون، فينشأ على قيم الاحترام والتقدير.
  4. فهم احتياجات الطفل العاطفية:
    أحيانًا لا يعبر الطفل عن مشاعره مباشرة، لكن من خلال أحاديثه البسيطة يمكن للأم أو الأب أن يكتشف ما يقلقه أو يسعده.
  5. بناء علاقة دافئة وآمنة:
    عندما يشعر الطفل أن والديه يستمعان له دائمًا، يلجأ إليهما في المواقف الصعبة دون تردد.إقرأي أيضاً: “تعليم الطفل قيمة حترام الآخرين”

كيف نُطبق آداب الاستماع للأطفال عمليًا؟

الاستماع للأطفال ليس مجرد صمت أثناء حديثهم، بل هو تفاعل نشط مليء بالمشاعر والاحترام.
إليك بعض القواعد الذهبية التي تساعد الأهل على تطبيق آداب الاستماع للأطفال:

  1. التواصل البصري:
    انظر لطفلك أثناء حديثه، فهذا يمنحه الإحساس بالاهتمام الحقيقي.
  2. إظهار التعاطف:
    استخدم تعابير وجهك ولغة جسدك لتُظهر له أنك تفهم مشاعره.
  3. عدم المقاطعة:
    اترك الطفل يُكمل حديثه حتى النهاية، فالمقاطعة تُفقده التركيز والثقة.
  4. الرد الإيجابي:
    حتى لو أخطأ في التعبير، امدحه على محاولته، وصحّح له بلطف.
  5. طرح الأسئلة المفتوحة:
    مثل: “وماذا بعد؟” أو “كيف شعرتِ في ذلك الوقت؟” أو “لماذا اخترتِ أن تفعلي ذلك؟”
  6. تخصيص وقت يومي للحديث:
    اجعلي وقتًا خاليًا من الهاتف أو الضوضاء فقط للجلوس معه والتحدث والاستماع.

عندما نُصغي… نحن نُربّي

الاستماع لطفلك هو شكل من أشكال التربية الهادئة.
فهو لا يحتاج دائمًا إلى محاضرات أو أوامر، بل يحتاج إلى أذن صاغية وقلب مفتوح.
كل مرة تصغين فيها لطفلك، أنتِ تزرعين فيه ثقة ستكبر معه وترافقه مدى الحياة.

وهنا تتضح أكثر فوائد الاستماع للأطفال التي ربما لا يراها البعض للوهلة الأولى:

  • يساعد الاستماع على تفريغ مشاعر الطفل السلبية، فيتحدث عما يضايقه بدلًا من أن يكتمه.
  • يعزز من الذكاء الاجتماعي لأنه يتعلم كيف يُعبّر ويحل مشكلاته بالكلام لا بالعنف.
  • يعلّمه أن لكل إنسان وجهة نظر تستحق الاحترام حتى وإن كانت مختلفة.
  • يجعل الطفل أكثر اتزانًا نفسيًا وأقل عرضة للانطواء أو العدوانية.

فوائد الاستماع للأطفال

المقارنة بين جيل الأم وجيل الطفل

كأمٍّ، حين أرى طفلتي تتحدث بحرية، أشعر بالدهشة أحيانًا.
فنحن لم نكن نحظى بنفس المساحة من الحرية في التعبير، ولم يكن أحد يُصغي إلينا بهذا القدر من الاهتمام.
لكن الزمن تغيّر، والتربية الوجدانية أصبحت اليوم ركيزة أساسية في بناء الشخصية.

في الماضي، كان يُنظر إلى الطفل على أنه “نسخة مصغّرة” من الكبار يجب أن يطيع فقط،
أما اليوم فنحن ندرك أن الطفل شخص كامل له رأي ومشاعر وأفكار.

من هنا يجب أن نعيد صياغة علاقتنا معهم على أساس آداب الاستماع للأطفال والاحترام المتبادل.
فكل مرة نستمع فيها إليهم، نحن في الحقيقة نتعلم منهم كما يتعلمون منا.

متى يصبح الصمت مؤذيًا؟

حين نطلب من الطفل الصمت دائمًا، نحن نعلّمه أن صوته لا قيمة له.
الصمت هنا لا يكون هدوءًا بل انطفاءً داخليًا.
تبدأ ملامح الخجل الزائد، الخوف من المشاركة، الشعور بعدم الأهمية،
ثم يكبر الطفل وهو يحمل هذا الإحساس بالداخل: “لن يسمعني أحد.”

لهذا فإن فوائد الاستماع للأطفال تتجاوز مرحلة الطفولة،
إنها تمتد لتؤثر على شخصيته المستقبلية، على ثقته بنفسه في المدرسة، على قدرته على الحوار في العمل، وحتى على علاقاته في الكبر.

صوت الطفل مسؤوليتنا

إن مسؤوليتنا كآباء وأمهات ليست فقط أن نطعم ونلبس أطفالنا، بل أن نُسمعهم أيضًا.
أن نتيح لهم مساحة آمنة للكلام، دون خوف من السخرية أو المقاطعة أو التوبيخ.

علّموا أطفالكم أن من حقهم أن يتحدثوا ويُعبّروا،
وأن من واجبهم أيضًا احترام المتحدث والإنصات له دون مقاطعة.
لا تسمحوا لأحد أن يُسكت أطفالكم أو يقلّل من شأن حديثهم،
وإن كان الحديث للكبار، فلا يكون بوجود الصغار إذا كان سيحرمهم من المشاركة أو سيشعرهم بالإقصاء.

التربية تبدأ من الإصغاء

التربية ليست دائمًا أوامر ونواهي، بل هي مواقف يومية بسيطة.
لحظة تنصتين فيها لطفلك وهو يحكي قصة خيالية…
لحظة تبتسمين له وتشجعينه على التعبير…
هذه اللحظات الصغيرة هي التي تُكوّن نواة العلاقة بينكما.

في كل مرة تستمعين إليها، أنت تقولين له دون كلمات:
“أنا أحبك.”
“أنا أثق بك.”
“أنا أراك وأقدّرك.”

وتلك هي أعمق فوائد الاستماع للأطفال التي لا تُقاس بالكلمات، بل تُرى في سلوك الطفل وثقته بنفسه وهدوئه الداخلي.

عندما يتكلم الصغار، أنصتوا باحترام أيها الكبار.
اجعلوا بيوتكم مليئة بالحوار، بالنقاشات اللطيفة، بالأسئلة المفتوحة،
احرصوا على التواصل البصري، على التعاطف، على التشجيع.
بهذه الخطوات الصغيرة تُربّون أطفالًا أقوياء من الداخل،
يعرفون متى يتحدثون وكيف يُصغون،
ويكبرون وهم يحملون في داخلهم تلك القيمة الجميلة:
أن للكلام احترامًا، وللإنصات أدبًا.

هل ترغبين في تطوير مهاراتك في التربية وتعزيز فوائد الاستماع للأطفال وآداب الاستماع للأطفال ضمن برنامج منظم؟
ادخلي الآن إلى دورتنا المتخصصة أساسيات تربية الأطفال، وابدئي رحلة التعلم والتطبيق الفعّال:

في هذه الدورة ستتعلمين:

  • أسس التعامل الإيجابي مع الأطفال
  • تقنيات الإصغاء الفعّالة والمحفزة
  • كيف تهيّئين جوًّا منزليًا يحتضن الحوار والاحترام
  • مهارات عملية لتطبيق آداب الاستماع للأطفال يوميًا
  • أدوات لتقوية الثقة بالنفس عند الطفل من خلال الاستماع الحقيقي

إن استثمارك في هذه الدورة يعني استثمارًا في مستقبل تربية أطفالك بوعي ومحبة. أكملي هذه الرحلة معنا، واجعلي بيتك بيئة للنمو والتفاهم.

 

هل كان هذا المقال مفيدا لكِ؟ شاركِيه مع الآخرين

نصيحة اليوم

  • اشتركي الآن ببرنامج سنة أولى أمومة ❤️

مقالة اليوم

فيديو اليوم

نشاط اليوم

الأكاديمية

تابعنا

المقالات المرتبطة

  • الطفل وكوكب الضرب!

    30 يناير, 2021

  • كنز و شقاوة الطفولة

    2 ديسمبر, 2021

  • كنز .. في عمر الثالثة

    10 يونيو, 2021

الطفل وكوكب الضرب!

30 يناير, 2021

كنز و شقاوة الطفولة

2 ديسمبر, 2021

كنز .. في عمر الثالثة

10 يونيو, 2021