تاريخ النشر 11 أبريل, 2025

التحرش الجنسي بالأطفال، من أخطر القضايا الاجتماعية التي تؤثر على سلامة ونمو الطفل. يُعرف التحرش بأنه أي سلوك غير لائق يمس كرامة الطفل وحرمة جسده ويؤثر على صحته النفسية والجسدية. تتعدد أشكال هذا التحرش وتتدرج بدءاً من التحرش اللفظي ثم لمس الطفل بطرق مريبة وغير لائقة، وصولًا إلى الاستغلال الجنسي المباشر الذي يؤدي إلى آثار سلبية عميقة قد تستمر مدى الحياة.

التحرش قضية شائكة جداً، فعلى الرغم من شيوعها بكثرة في المجتمع إلا أن أغلب الناس يفضلون تجنب الحديث عنها والاعتبار وكأنها غير موجودة، لأسباب كثيرة وأهمها الاعتبارات الاجتماعية والخوف من التعبير بصوت عال خشية من وصمة عار قد تلاحق الطفل من جهة، والتكذيب الذي قد يتعرض له الأهل أو الطفل في حال الشكوى والمصارحة من جهة أخرى.

في ظل غياب التربية الجنسية الصحيحة ينشأ أطفالنا على الجهل وعدم الوعي الكافي، مما يجعلهم فريسة سهلة لأي معتد وخاصة إذا كان مقرباً من الطفل ويعرف كل نقاط ضعفه.

المتحرش غالباً من الدائرة المقربة

نعم ولا عجب في ذلك. قد يبدو الأمر صادماً فكثير من الأهالي يعتقدون أن المتحرش شخص سيء السمعة تبدو عليه ملامح الخطر ويمكنك بسهولة تمييزه وحماية طفلك منه.

في الحقيقة لا، المتحرش غالباً هو شخص مقرب إما من العائلة أو على تماس مباشر مع الطفل وله تأثير عليه مثل المساعدة المنزلية، السائق، المدرس الخصوصي أحد أفراد العائلة  أو أي شخص له تواصل شبه مباشر  مع الطفل يعرف شخصيته وتفضيلاته ونقاط ضعفه ويعمل بطريقة مثالية على تلبيتها وتأمينها.

إهمال احتياجات الطفل هو ثغرة قوية للمتحرش

للطفل أربع احتياجات أساسية وهي: الحب، الاهتمام، الأمان، الشعور بالأثر. بالإضافة طبعاً للاحتياجات المادية من مأكل وملبس وترفيه.

يركز بعض الأهل على تلبية الاحتياجات المادية بينما يعيش الطفل في فراغ عاطفي كبير يجعله ضعيفاً أمام أي مدح أو تشجيع أو كلمات عاطفية مليئة بالحب والاهتمام.

عندما يكون المتحرش مقرباً من العائلة وعلى دراية بطبيعة العلاقة بين الأم والأب والطفل سيتمكن من التقرب للطفل وجذبه من خلال إعطاءه ما ينقصه بسخاء. على سبيل المثال، إذا كان تعامل الأهل جاف وقاس نرى المتحرش يغدق على الطفل كلمات المديح التي تشعره كم هو مميز، أو يتقرب إليه بالهدايا والألعاب التي يحبها ولا يمتلكها. 

حلقة مفرغة

بمجرد نجاح المحاولة الأولى للمتحرش، تبدأ حلقة مفرغة من السلوكيات المتكررة والمتناقضة، حيث تبدأ بالأسلوب الجذاب من حيث المدح أو الكلام اللطيف ثم يليها الإساءة الجسدية للطفل يتبعها تقديم هدايا وحب.

في ظل هذه السلسلة المتكررة من التصرفات المتناقضة، يرتبط في عقل الطفل شعور الأذى مع إحساس الحب ويختبر الطفل مشاعر متضاربة بين السعادة والألم والخوف. التأرجح بين هذه المشاعر يؤدي إلى ما يعرف ب” التعلق بالصدمة” بسبب التعزيز المتقطع لمشاعر متناقضة والانتقال بين الحب والإساءة واللطف، مما يجعل الطفل عاجزاً عن التمييز إذا كان هذا الشخص يحبه أم يكرهه، وهذا يدفعه لتحمل الإساءة مقابل الحصول على جرعة السعادة التي ستليها.

سيكولوجية المتحرش

بالتعمق قليلاً في نفسية المتحرش نرى أن حب السيطرة والإجبار هو ما يدفعه لفعل ما يقوم به، ولا يتوقف عند ذلك، بل يكمل بأساليب نفسية قاسية لإسكات الطفل ومنعه من إخبار أحد وأهمها: 

1-التهديد: 

يهدد المتحرش الطفل بأشياء تخيفه في حال أخبر أحدًا عن فعله المشين، فيزرع في نفسه إحساس الخوف والقلق ويشعره بالضعف وقلة الحيلة، فنراه خاضعاً منعزلاً عن العالم الخارجي ليصبح وحيدًا في مواجهة هذه التجربة المؤلمة. 

2-الإقناع:

يسعى المتحرش إلى قلب الطاولة على الطفل، محاولًا إقناعه بأنه هو من أراد أن يحدث ما حدث، مما يزيد من شعور الطفل بالذنب والمسؤولية. هذه الحيلة النفسية تُستخدم لتشويه واقع الطفل وجعله يشعر بأنه هو المخطئ، وتفاقٍم لديه الإحساس بالعار والخزي، وهذا يجعله أكثر ميلاً للصمت وعدم الإبلاغ عن الاعتداء.

3-الاستغلال العاطفي:

يستخدم المتحرش أسلوب الاستغلال العاطفي مع الطفل، حيث يخبره بأنه إذا كان يحبه، فعليه أن يطيعه وينفذ ما يطلبه منه. بهذا الأسلوب يتم استغلال مشاعر الحب التي يحملها الطفل، مما يجعله يشعر بأنه ملزم بتنفيذ تلك الطلبات للحفاظ على العلاقة وإحساس الحب والاهتمام الذي يقدمه له المعتدي.

هذه الأساليب النفسية المعقدة تبين لنا أن التوعية الصحيحة أعمق بكثير من أن نخبر الطفل بشكل مباشر ألا يسمح لأحد بلمس جسده. أسلوب التلقين المباشر أثبت فشله فنحن بحاجة لتربية جنسية حقيقية قائمة على معرفة الطفل الصحيحة بأجزاء جسده ثم التوعية التدريجية والمناسبة لعمره من خلال المواقف اليومية البسيطة.

وأخيراً، لا داعي للذعر، فالأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي ويتلقون الدعم والمساعدة النفسية يمكنهم التعافي بشكل كامل وإكمال حياتهم بشكل طبيعي. 

وكما نقول دوماً درهم وقاية خير من قنطار علاج، يمكننا دفع الكثير من الأذى قبل حدوثه عندما نمتلك ثقافة التربية الجنسية الصحيحة التي نستطيع تعليمها للطفل بدءاً من عمر يوم وانتهاءً بمرحلة البلوغ، وهذا ما نقدمه الأخصائية ياسمين حرب بالتفصيل في ورشة ” التربية الجنسية للأطفال من عمر 0-8 سنوات ” المتكاملة التي تعتبر دليلاً شاملاً يساعدكم في هذه المهمة الحساسة والضرورية جداً لتقديم التربية الصحيحة المناسبة لعمر الطفل، بحيث تكون كمربي قادر على الإجابة على تساؤلات طفلك بكل أريحية وتقويم سلوكياته الجنسية في حال ظهور بوادر لها، بالإضافة إلى مساعدة الطفل ليكون هويته الجنسية بطريقة سليمة صحيحة.

غزل بغدادي

غزل بغدادي

مستشارة تربوية | مؤسسِة علمتني كنز

هل كان هذا المقال مفيدا لكِ؟ شاركِيه مع الآخرين

نصيحة اليوم

  • خصم على منتجات كنز أكاديمي بمناسبة عيد الأم 🎉

مقالة اليوم

فيديو اليوم

نشاط اليوم

الأكاديمية

تابعنا

المقالات المرتبطة

  • لماذا يصرخ الأطفال!؟

    10 مايو, 2020

  • هل تقبيل الطفل خطر على صحته؟

    14 يناير, 2021

  • التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال

    12 مايو, 2020

لماذا يصرخ الأطفال!؟

10 مايو, 2020

هل تقبيل الطفل خطر على صحته؟

14 يناير, 2021

التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال

12 مايو, 2020