تاريخ النشر 2 ديسمبر, 2024

تعتبر الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان، تتشكل خلالها الأسس العاطفية والاجتماعية التي ستؤثر على شخصيته وعلاقاته في المستقبل. ومن بين الظواهر الطفولية التي تثير الكثير من النقاشات والجدل بين متقبِّل ومعارض هي مسألة التعلق عند الطفل. في كثير من الأحيان، يُنظر إلى هذا التعلق على أنه حالة سلبية، تعكس اعتماداً مفرطاً على الوالد وتقيداً لحريته وبذات الوقت خوفاً من عدم قدرة الطفل على الاستقلال. ولكن قبل طرح الأمر كمشكلة يمكننا استكشافه من منظور إيجابي، خاصة عندما يكون التعلق غير مبالغ فيه.

يعكس التعلق حاجة الطفل الفطرية للشعور بالأمان والحماية. ففي بداية حياته، يعتمد الطفل بشكل كامل على والديه لتلبية احتياجاته الأساسية الجسدية أو العاطفية ويبقى هذا الاعتماد كبيراً لسنين عديدة. ومع شعور الطفل باستجابة الأهل الدائمة يبدأ ببناء الثقة بوالديه أولا ثم بنفسه وبذلك يكون قادراً على اتخاذ أول خطوة في طريق الاستقلالية.

عندما نقيم الأمر من هذه الزاوية الإيجابية، نجد أن التعلق الصحي يدعم الصحة النفسية للطفل بسبب شعوره بالأمان والثقة باستجابة الأهل لاحتياجاته ويقوي الرابطة العاطفية بينه وبين الوالدين ويساعده على تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي والتعبير عن المشاعر.

الرابط بين التعلق عند الطفل ونموه:

هناك الكثير من المخاوف المبالغ بها والنابعة من اعتقاد الأهل أن تعلق الطفل بهم قد يعيق نموه كإنسان مستقل قادر على الاعتماد على نفسه، ولكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح فالتعلق الصحي الذي يتقبله المربي ويستمر بتقديم الحب والاهتمام للطفل مهما حدث يعزز شعور الأمان والاستقرار عند الطفل ويحرره من قيد البحث عن القبول والحب لينطلق في تجاربه وتطوره في الحياة وبالتالي نمو وصحة جسدية ونفسية أفضل. 

عندما نتأمل في الهدف الأسمى من تربية الأطفال، نجد أنه يكمن في مساعدتهم ليصبحوا أفراداً مستقلين سعداء في الحياة. وبناء على هذا الهدف يسعى الأهل لزرع الثقة بالطفل وحثه على التعلم والتجربة وبناء شخصية قوية قادرة على الاستقلالية واتخاذ القرارات. 

في السنوات الأولى خاصةً قبل بلوغ ثلاث سنوات، تجد أن طفلك متعلق بك بشكل كبير يتبعك أينما ذهبت، يبكي عندما تغيب عن نظره، يشعر بالحزن عندما لا تعطيه كل اهتمامك. هذا السلوك ليس فقط تعبيراً عن حبه لك، بل أيضاً عن احتياج كبير لحبك ورعايتك.

ومع تقدمه في العمر، وبحلول سن الخامسة أو السابعة، ينبغي أن يصبح قادراً على اللعب بمفرده، واتخاذ بعض القرارات وتحمل مسؤوليات بسيطة مثل ارتداء ملابسه، والقيام ببعض الأعمال المنزلية كتنظيف ألعابه.

نستنتج مما سبق أن إشباع الطفل بالاهتمام وتلبية احتياجه  للتعلق في سن مبكرة يشجعه على الاستقلال وتحمل المسؤولية كلما كبر أي أن دورك كمربي سيتحول من قائم بالأعمال إلى استشاري تدريجياً ودون عناء.

إن الأمان الذي يكتسبه الطفل من التعلق من سن مبكرة هو الذي سيشجعه على الاستقلال لاحقاً أي أن التعلق ليس عدواً للنضج بل على العكس العلاقة غير الآمنة التي بالغ فيها الأهل في القسوة هي ما يعيق نمو الطفل ونضجه، ولهذا السبب نرى أطفالاً بعمر المدرسة وما زالوا شديدي التعلق بوالديهم لأن حاجتهم للحب والاهتمام لم يتم تلبيتها في سن مبكرة وفي هذه المرحلة العمرية المتقدمة يحاول الطفل تلبية حاجته المكبوتة للاهتمام من خلال بعض السلوكيات الغريبة وأهمها:

يعمل الطفل جاهداً لتحقيق التميز والارتقاء إلى مستوى التوقعات حتى لو على حساب راحته.

ينتقد نفسه بكثرة أو يحاول أن يكون متعاطفاً بشكل مبالغ به حتى يحبه الآخرون.

يسعى لجذب الانتباه من خلال تصرفات غريبة كان يمثل دور المهرج أمام رفاقه في المدرسة ليحصل على حبهم وقبولهم.

يتجنب النقد أو الاعتراض على شيء ما حتى يحبه الآخرون.

في بعض الحالات يسعى الطفل للتباهي والمنافسة المفرطة لتحقيق التفوق وكسب اعتراف الآخرين واحترامهم. 

 

إذا كيف يمكننا إدارة حالة التعلق عند الطفل بطريقة تريح الأهل ولا تؤثر على شعور الطفل بالأمان:

في ظل مسؤوليات الأبوين اليومية الكثيرة يمكن أن يؤدي تعلق الطفل المفرط إلى شعورهما بالعجز والإحباط، وفيما يلي بعض النصائح التي تساعد في تخفيف هذا الضغط وأهمها:

1-أعد تحديد هدفك:

إذا كنت تأمل في أن يلعب طفلك بمفرده حتى تتمكن من القيام بشيء آخر، ربما ستحتاج إلى تعديل ذلك الهدف ليس لأنك مخطئ وإنما لأن الأمر يحتاج بعض المرونة، ففي هذه الحالة مثلاً يمكن للطفل أن يرافقك ولكن أعطه لعبة ينشغل بها بينما تنهي ما تريد فعله. 

 

2-خصص وقتًا للاعتناء بنفسك:

من الصعب تلبية احتياجات طفلك العاطفية إذا كنت تشعر بالإرهاق. لا تتردد في طلب المساعدة من شخص يحبه طفلك سواء شريكك أو أحد أفراد العائلة أو حتى جليسة أطفال لتتمكن من الاستراحة وإعادة شحن طاقتك بأشياء تحبها. 

 

3-احرص أن يكون وقتك مع طفلك ذو جودة ونوعية عالية:

خلال الوقت الذي تقضيه مع طفلك افعل كل ما بوسعك ليشعر بحبك واهتمامك سواء بالتعبير لفظياً أو باحتضانه أو مشاركته الأنشطة التي يحبها كقراءة قصة أو اللعب بالألعاب.

 

4-علمه الصبر:

الصبر مهارة مهمة جداً في الحياة يمكن أن يكتسبها الطفل بالتدريب تدريجياً على الانتظار لفترات قصيرة ومتعددة خلال اليوم.

استخدم ألعاب مثل “الضوء الأحمر، الضوء الأخضر” أو أضف تأخيرات متعمدة أثناء الأنشطة. تفهَّم أن الانتظار ليس سهلاً على الطفل وأخبره أنك تقدر ذلك.

 

5-ساعده على البقاء بمفرده:

على سبيل المثال، عندما تشاركه في لعبة ما وبعد حوالي 15 دقيقة، شجعه على اللعب بمفرده قليلاً، ومع مرور الوقت، يمكنك زيادة المسافة بينكما تدريجياً حتى يشعر بالراحة مع فكرة أنك بعيد عنه.

يمكنك أيضًا استخدام مؤقت لتحديد فترة غيابك. قل لطفلك: “سأضبط المؤقت لمدة 5 دقائق بينما أغسل الأطباق، وعندما ينتهي، سأعود إليك”. تساعد هذه الطريقة طفلك ليتأقلم مع فكرة غيابك لفترات قصيرة.

 

في الختام

تربية الأطفال ليست مهمة سهلة، وإذا شعرت بالحاجة إلى الدعم في هذه الرحلة، فلا تتردد في طلب العون والمساعدة لتفهم الأسباب الحقيقية لأي سلوك يصدر عن الطفل وتكون قادراً على توجيهه.

في دورة “أساسيات تربية الطفل” نساعد كل أم، أب، مربي ليدرك احتياجات الطفل الجسدية والنفسية وكيفية تلبيتها، مع تفسير الدوافع الثلاثة لكل فعل يقوم به الطفل وتوضيح الطريقة الصحيحة لإظهار الحب والاهتمام لتحقيق النتيجة المرجوة: طفل سعيد مرتاح ومبدع.

غزل بغدادي

غزل بغدادي

مستشارة تربوية | مؤسسِة علمتني كنز

هل كان هذا المقال مفيدا لكِ؟ شاركِيه مع الآخرين

نصيحة اليوم

  • نحن معك لتربي طفل واعي جنسياً ❤️

مقالة اليوم

فيديو اليوم

نشاط اليوم

الأكاديمية

تابعنا

المقالات المرتبطة

  • كيف أهيئ طفلي لدخول الروضة؟

    10 مايو, 2020

  • لماذا يصرخ الأطفال!؟

    10 مايو, 2020

  • كيف أخبر طفلي عن الطلاق ؟

    27 يونيو, 2024

كيف أهيئ طفلي لدخول الروضة؟

10 مايو, 2020

لماذا يصرخ الأطفال!؟

10 مايو, 2020

كيف أخبر طفلي عن الطلاق ؟

27 يونيو, 2024