تاريخ النشر 22 ديسمبر, 2020
في معظم المدارس التربوية لا يعد العقاب أسلوباً صحيحاً في تأديب الطفل وتربيته، فإذا أردت أن تربي إنساناً قادراً على البناء يجب أن يتمتع بشخصية مستقلة ومتوازنة وسليمة.
وإذا كان هدفك أن تربي إنساناً متزناً يحبك ويميز الخطأ من الصواب في كل الأوقات، فعليك أن تبتعد عن الأساليب الخاطئة في التأديب والتي يغلب عليها “معاقبة الطفل” بدل تعليمه والتي للأسف تستخدم في الكثير من المجتمعات.
ما هي تلك الأساليب، وما هو أثرها وكيف نتجنبها؟
أولاً: الصراخ والغضب:
كان يركض الطفل بسرعة في البيت، فكسر تحفة زجاجية كبيرة جداً، وأصيب بعدها بالخوف الشديد، وبسبب هذا الخوف أمرت الغدة النخامية في جسمه بإفراز هرمون الكورتيزول، الذي يفرز أثناء التوتر والضغوط النفسية، مما يجعل الطفل غير قادر على الاستيعاب أو الانتباه إلى أي شيء نقوله.
بدأت الأم بالصراخ والتأنيب لتزيد الموقف سوءاً، وتزيد من إفراز هذا الهرمون الذي يسبب ارتفاعه آثاراً سلبية على صحة الطفل: (هذا خطأ، يجب أن تنتبه إلى الزجاج، الزجاج ينكسر بسرعة، هذه تحفة غالية جداً، من سينظف الزجاج؟! الآن أنا متعبة .. إلخ).
وبالطبع لم يفهم الطفل أي كلمة قالتها أمه بسبب حالة التوتر المسيطرة عليه، والشيء الوحيد الذي لفت انتباهه هو الصوت العالي وطريقة الكلام، طريقة غريبة صدرت من قدوته (أمه) فقرر أن يبدأ بممارستها على أخوته وأصدقاءه في الروضة.
وعاد الطفل وكسر تحفة أخرى و ركض بسرعة داخل المنزل مرات أخرى، فبدأت الأم بالشكوى: (طفلي يصرخ.. طفلي يعبر عما يريده بطريقة عصبية.. طفلي لا يسمع الكلام..)، دون أن تدري أنها السبب.
الصراخ والغضب يسببان درجة كبيرة من التوتر للطفل بسبب خوفه الشديد، وزيادة إفراز الكورتيزول، وبذلك تساعدون طفلكم للتعرف على طريقة جديدة وخاطئة للتعبير عما يريد أن يقوله.
إن كان هدف العقاب هو التعليم والتوجيه؛ فهل حققت طريقة الصراخ والغضب هذا الهدف؟!
ثانياً: زاوية العقاب “naughty corner” أو “time out”:
يتصرف الطفل بشكل خاطئ فتخاطبه أمه بجملة واحدة: (اذهب إلى زاوية العقاب) ويذهب الطفل إلى زاوية العقاب التي من الممكن أن تكون في نفس الغرفة أو أن تكون في غرفة أخرى من المنزل، وتحدد الأم لتأديب الطفل مدة محددة يجب أن يقضيها في هذه الزاوية، (يُحدَّد الوقت حسب عمر الطفل)، وبعد انقضاء المدة يُطلَب من الطفل الاعتذار عن فعلته وربما يُشرَح له الخطأ.
في السجون يتم الحكم بالحبس الانفرادي على أكثر المجرمين خطورة، لأن الانفرادية تعد أكثر طرق العقاب إهانة و تعذيباً للنفس، ألا تذكرنا زاوية العقاب بالحبس الانفرادي؟!
لنتخيل أنفسنا الآن في زاوية العقاب:
- الجميع لهم حرية الحركة والمشي والركض إلا أنا أجلس في زاوية العقاب.
- الجميع يضحكون ويلعبون وربما يشاهدون التلفاز وأنا أجلس وحيداً في زاوية العقاب.
- إخوتي ينظرون إلي ويضحكون لأنني في زاوية العقاب.
- أمي تركتني وحيداً ومنعتني من الحركة لأنني فعلت كذا.
- أنا وحيد في زاوية العقاب لا أحد يحبني.
النتيجة ربما سيتوقف طفلك عن الفعل الخاطئ الذي تسبب بجلوسه في زاوية العقاب، لكنه للأسف سيزداد عناداً، وسيبدأ بالانتقام منك بطرق كثيرة: (الصراخ، والقيام بكل ما يجعلك غاضبة..)؛ بسبب جلوسه في زاوية العقاب.
زاوية العقاب تسبب توتراً وقلقاً وأذىً نفسياً، والأهم إهانةً كبيرة للطفل! هل تقبلين أن يعاقبك أي شخص بهذه الطريقة؟! كيف ستشعرين تجاهه بعد ذلك؟!
هدف التربية هو التعليم والتوجيه، والحفاظ على نفسية الطفل سليمة، فهل حققت زاوية العقاب هذه الأهداف؟ وهل نجحت في تأديب الطفل؟
البديل في منهج “مونتيسوري” هو ركن السلام وسنتحدث عنه في مقال آخر.
ثالثاُ: التهديد و المعاقبة بالحرمان:
شكل شائع من أشكال عقاب الطفل رغم أنه خاطئ جداً؛ لماذا؟
- تهديد الطفل بالحرمان يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول الذي يفرز أيضاً عند الصراخ، فيتوقف عقل الطفل عن الاستيعاب، لذلك يبدأ بالقيام بأفعال جنونية؛ مثل: الصراخ أو البكاء الهستيري ونوبات الغضب.
- تهديد الحقنة (الإبرة)، ستلمسين نتائجه السلبية في حال مرض طفلك، واحتاج للحقنة ورفضها بشدة؛ لأنها في عقله نوع من أنواع العقاب.
- كل ما تهددين به طفلك سيستخدمه طفلك ليهدد وليعنف به أطفالاً آخرين، وحينها ستتلقين شكاوى من المدرسة بأن طفلك عنيف.
- التهديد بالأشياء المؤذية؛ كالشطة والضرب تفقد الطفل ثقته بك: (ماما تريد أن تؤذيني، ماما قادرة على إيذائي، ماما لا تحبني).
- كم مرة هددتِ ونفذتِ التهديد؟!؟ التهديد يجعلك كاذبة في عيون طفلك: (ماما دائماً تهدد لكنها لا تفعل أي شيء تقوله).
- في حال حرمان الطفل من شيء يفعله الآخرون أمامه كاللعب مثلاً سيشعر طفلك بالنقص والحزن الشديد، وسيشعر بالإهانة أمامهم.
- تهديد الطفل بأشياء يحبها فيه استغلال لنقاط ضعفه، وهذا أسلوب استغلالي مرفوض أخلاقياً.
ضعي نفسك دائماً مكان الطفل هل تقبلين أن يهددك أحد؟ كيف ستشعرين في حال هددك أحد بإيذائك؟ هل ستحبينه وتثقين به مرة أخرى؟!
رابعاً: التأنيب:
كان يجري ويلعب بسرعة حين ارتطم بمزهرية زجاجية، فوقعت من على الطاولة وانكسرت!! هنا نحن أمام طريقتين لرد الفعل:
الأولى: تركض الأم: “كسرت المزهرية؟! أنا كم مرة قلت لك: لا تقترب من الزجاج ولا تركض بسرعة داخل المنزل؟” الطفل الآن يشعر بمشاعر الحزن والغضب والتوتر والخوف وبأن أمه لا تحبه …إلخ.
لكن ماذا عن الخطأ الذي ارتكبه؟ هل يعالجه في دماغه؟ هل كوَّن خبرة من الحدث؟ لا، فمشاعره السلبية تفوقت على كل شيء.
الثانية: الأم: (حبيبي هل حصل لك شيء؟ هل أنت بخير؟) وتحضنه، الطفل: (لقد وقعت المزهرية وانكسرت)، الأم: (ممممم هل كنت تركض مسرعاً؟)، الطفل: (نعم !)
الأم: (لا شك أن هذا هو السبب، فالزجاج قابل للكسر ولذلك يجب أن ننتبه دائماً حبيبي).
الطفل الآن استوعب وقوع المزهرية وكسرها، إذن الزجاج معرض للكسر في حال ارتطم بشيء.
تعرف الطفل على مسببات الحدث وعالجها في دماغه وبالتالي تعلم من خطئه وكوّن خبرة مهمة جداً مفادها أن الزجاج قابل للكسر والركض السريع لا يناسب المنزل، والأهم زادت ثقته بأمه وحبها ومشاعرها، ولن يخفي عنها أي موقف حصل أو سيحصل، ولن يكذب!
طفلك قادر على التعلم وتكوين الخبرات من عمر الأشهر!! فكونوا علاقات طيِّبة مع أطفالكم، وكونوا لهم خير معلِّمين، فهم مثلنا يخطئون، لكننا أقدر منهم على احتواء الأخطاء، لأننا مربُّون، ولأننا نحبُّ.
إقرأ أيضاً: “مكافأة الطفل والتحفيز الداخلي”
———
تم تحرير هذه المقالة من قبل
غزل بغدادي
مؤسسة مشروع علمتني كنز
حاصلة على دبلوم مونتيسوري من مركز أميركا الشمالية NAMC
نصيحة اليوم
كل ما شعرتي بالغضب من طفلك حطي حالك مكانه وبس ❤️