تاريخ النشر 26 ديسمبر, 2024

تربية طفل يمتلك القدرة على بناء رؤية واضحة ورسم طريقه الخاص في الحياة ليست بالمهمة السهلة، فنجاحها يتطلب ركائز عديدة أهمها الثقة في اتخاذ القرارات، والشجاعة لتحديد الأهداف، والمثابرة لتجاوز التحديات. عندما يُسأَل الآباء عن أكثر ما يتمنونه لأطفالهم، سيختارون الاستقلالية كهدف أساسي في رحلة تربيتهم. وإذا كانت هذه الصفات الثلاثة السابقة _الثقة والشجاعة والمثابرة_ من أهم الأهداف المرجوّة لأي مربي، فما هي السبل التي يمكننا من خلالها دعم أطفالنا لتحقيق ذلك؟

 

تتباين الآراء وأساليب التربية حول كيفية تعزيز ثقة الطفل بنفسه، يعتقد البعض أن كثرة المدح والمكافآت أو إخبار الطفل بمدى تميزه عن الآخرين يمكن أن يسهم في بناء هذه الثقة، ولكن المشكلة أن هذا الشعور بالثقة ستكون هشاً، إذ سيختفي بمجرد توقف المدح أو مرور الطفل بتحديات وصعوبات. 

 

إن بناء الثقة على أساس المدح وحده لا يكسب الطفل القدرة والمرونة اللازمة لمواجهة صعوبات الحياة، فالشعور بأنك جيد في شيء ما بعد سماع المديح يختلف تماماً عن الثقة الحقيقية بالنفس. المدح المستمر والمبالغ به قد يأخذ الطفل نحو فخ النرجسية، أما شعور الطفل بالقيمة الذاتية الحقيقية يكتسب من خلال تجارب الحياة المتنوعة وليس بالتلقين. 

جذور الثقة بالنفس

لبناء ثقة حقيقية بالنفس، يجب أن يكوِّن الطفل شعوراً قوياً بذاته. يبدأ هذا الشعور في السنوات الأولى من حياته، عندما يتفاعل مع والديه أو المربي الموثوق الذي يمنحه الإحساس بالانتماء والأهمية والحب، يكون قريباً منه ويستجيب لاحتياجاته. وعندما يبلغ الطفل من العمر ثلاث سنوات، يبدأ في ترديد عبارات مثل “سأفعل ذلك بنفسي” أو “أنا فعلت ذلك”، هذه أولى وأهم علامات بناء شعور حقيقي بالذات.

ومع تطور هذا الشعور، يبدأ الطفل في استكشاف العالم من حوله وفهمه بشكل أعمق. من خلال التفاعل مع محيطه، فنراه يلعب ويستكشف، يروي قصصه، ويعبّر عن مشاعره، حتى يكون معرفة حقيقية بنفسه. 

ومع بلوغه سن خمس إلى سبع سنوات، يصبح مستعداً لمواجهة تحديات جديدة، كالذهاب للمدرسة، تعلم القراءة والكتابة والتفاعل مع أصدقاء جدد. وخلال هذه التجارب الجديدة سيكتشف قدرته على التكيف مع مواقف متنوعة وأشخاص مختلفين، لكنه يبقى بحاجة لملجأ آمن وشخص موثوق يلجأ إليه ليستمد منه الدعم ويعبر له عن مشاعره بأريحية وأمان عندما يواجه أية صعوبات.

دور الوالدين أو المربي في تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل:

 

1-توفير ملجأ آمن:

بالنسبة للطفل، المنزل هو الملاذ الذي يمنحه إحساساً بالاستقرار والأمان، حيث يشعر بأن وجوده فيه ومكانته عند والديه لا يتأثران بتصرفاته. عندما يدرك ويثق أن الحب والقبول غير مشروط سيشعر بالأمان والثقة بالنفس. وهذا يتطلب من الآباء أن يكونوا داعمين، دون أن يعني ذلك بالضرورة الموافقة على كل ما يقوم به الطفل.

دور الآباء والمربين هو التوجيه بحب وحنان واستخدام أساليب تربوية إيجابية ترتكز إلى التفاهم والارتباط العاطفي مع الطفل وتنعكس إيجاباً على نموه النفسي من خلال الحضور والدعم وإقناعه بفكرة أنه محبوب ومقبول كما هو، في حين أن استخدام أساليب قائمة على العنف أو العقاب سيؤدي إلى تعقيد العلاقة بين الآباء والأبناء ويؤثر سلباً على ثقة الطفل بنفسه وعلاقاته الشخصية في المستقبل.

 

2-استيعاب مشاعر الطفل واحتواءها:

لكي يبني الطفل ثقته بنفسه، يجب أن يتاح له المجال للتعبير عن مشاعره، سواء كانت فرحًا، حزنًا، أو خوفًا. هذه المشاعر، ومع تراكم التجارب، تشكل قوة داخلية تمنحه الشجاعة لمواجهة تحديات الحياة. على سبيل المثال: على الرغم من شعوره بالخوف في موقف ما، يمكن لرغبة الطفل في تحقيق الهدف أن تدفعه للأمام رغم ذلك الخوف.

عندما يشعر الطفل بالإحباط، يمكن أن يتحول هذا الشعور إلى سلوك عدواني مالم يعبر عنه ويتلقى الاحتواء والدعم الكافي. 

 

3-لا تجعله يسعى للحصول على الحب:

يتقصّد بعض الآباء أن يجعلوا أطفالهم يسعون ويعملون بجهد للحصول على الحب والقبول، بحبث يقدمون الحب والاهتمام فقط يتصرف الطفل بشكل يوافق توقعاتهم، وهذا الأسلوب التربوي يجعل الطفل مشغولاً بالسعي لإثبات نفسه وكسب الاهتمام بدلاً من توجيه هذه الطاقة العاطفية لاستكشاف ذاته وتجربة أشياء جديدة.

 

4-تخصيص وقت كافي للعب:

تتكون ثقة الطفل بنفسه من خلال التجارب التي يختبرها، وخاصة تلك التي تحدث أثناء اللعب ومحاولة إتقان مهارات جديدة. في أجواء اللعب والمرح يصل الطفل لمرحلة من الاندماج يشعر فيها بالحرية والمشاركة، ويستكشف اهتماماته ورغباته دون تفكير بالنتائج، هذا النوع من التجارب يساهم في بناء ثقته بنفسه وتعزيزها.

 

5-تجنب المبالغة في المدح والمكافآت:

المبالغة في مكافآة الطفل ومدحه تضعف شعوره بالاستقلالية، لأنهما في الغالب مرتبطان برغبات البالغين بدلاً من التركيز على فهم الطفل لنفسه واستكشاف ميوله الحقيقية.  

التسرع في المدح قبل أو أثناء وقت اللعب يمكن أن يحول متعة الطفل إلى شعور بالمسؤولية يجعله مهتمًا بأدائه بدلاً من الاستمتاع بالنشاط نفسه.

 

كل طفل هو مشروع إنسان واثق بنفسه مستقل لديه ما يقدمه للعالم، لكنه يحتاج أولاً لمربي واعي يؤمن به ويدعمه، وهذه الثقة هي الأساس في تشكيل شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات.  وفي دورة “الطفل المستقل” نقدم فيها موضوع الاستقلال بجوانبه الثلاث الأساسية في حياة الطفل مع مناقشة مشكلة العناد وتقديم طرق مبتكرة وحلول عملية واقعية تساعدك في تربية طفل مستقل متوازن وسعيد.

غزل بغدادي

غزل بغدادي

مستشارة تربوية | مؤسسِة علمتني كنز

هل كان هذا المقال مفيدا لكِ؟ شاركِيه مع الآخرين

نصيحة اليوم

  • نحن معك لتربي طفل واعي جنسياً ❤️

مقالة اليوم

فيديو اليوم

نشاط اليوم

الأكاديمية

تابعنا

المقالات المرتبطة

  • كيف أحمي طفلي من الأغراض المؤذية؟

    26 يناير, 2022

  • شجار الأهل يمكن أن يدمر حياة الأطفال!

    9 يونيو, 2021

  • يوم الصحة العالمي

    8 أبريل, 2022

كيف أحمي طفلي من الأغراض المؤذية؟

26 يناير, 2022

شجار الأهل يمكن أن يدمر حياة الأطفال!

9 يونيو, 2021

يوم الصحة العالمي

8 أبريل, 2022