تاريخ النشر 24 ديسمبر, 2024

السلوك العدواني عند الأطفال من الظواهر المعقدة التي تثير قلق الكثير من الآباء والمعلمين، تعتبر العدوانية مرحلة متوقعة لتفاقم مشاعر الإنسان بشكل عام فهي تعكس مشاعر عميقة من الإحباط أو عدم القدرة على التعبير عن الذات بشكل مناسب. يتجلى هذا السلوك في أشكال متعددة، بدءًا من الكلمات الجارحة أو التنمر وصولاً إلى الاعتداء الجسدي بالضرب وغيره.

 

تتشكل سلوكيات الأطفال بناء على عوامل نفسية واجتماعية وبيئية عديدة. لذلك، فإن التعرف على أسباب السلوك العدواني وكيفية التعامل معه يُعتبر خطوة أساسية لحل هذه المشكلة ومساعدة الطفل ليعبر عن مشاعره بطريقة بناءة وأكثر نضجاً أثناء التعامل مع الآخرين. 

 

العاطفة الأساسية التي تحرك سلوك العدوانية هي الإحباط، وهي حالة نفسية صعبة متأصلة في طبيعة الإنسان وكل البشر اختبروا هذا الإحساس يوماً ما. بتعريف مبسَّط يمكن القول أن العدوان هو الدافع للهجوم أو الاعتداء، ويظهر هذا السلوك إما بشكل جسدي أو لفظي. كثيراً ما يتم الخلط بين العدوان والغضب، لأن الجذر المشترك لكلا السلوكين يكمن في الإحباط.

 

لكن من أين يأتي هذا الإحباط في الأساس؟ 

 

كثيرة هي المواقف المحبطة التي يواجهها الأطفال في حياتهم والتي لا يمكن تغييرها في أحيان كثيرة. مثل الخسارة، والانزعاج من عدم التفوق، الغيرة، عدم القدرة على تغيير آراء الآخرين أو قراراتهم المتعلقة بالطفل خاصة الوالدين، بالإضافة إلى القيود المفروضة عليهم في الأشياء المحببة لهم مثل اللعب أو مشاهدة التلفاز. وغالباً لا يعبر الأطفال عن إحباطهم تجاه المصدر الحقيقي لمشاعرهم. على سبيل المثال، قد يتحول شعور الطفل بالإحباط الناتج عن يوم طويل في المدرسة أو عن قواعد الوالدين الصارمة إلى تصرفات عدوانية تجاه إخوته أو أصدقائه.

 

رغبة قوية في الهجوم

تلعب المشاعر دوراً أساسياً في توجيه سلوكيات الإنسان وتفاعلاته مع الآخرين. من بين هذه المشاعر، يأتي الإحباط كمحفز قوي يهدف إلى تغيير المواقف أو الظروف غير المرغوبة. فعندما يواجه الطفل موقفًا يتطلب منه التقبل، مثل عدم حصوله على لعبة مفضلة من أحد والديه أو عدم رغبة أخيه في مشاركته اللعب تظهر مشاعر الحزن أو خيبة الأمل. وإذا لم يكن الطفل معتادًا على التعامل مع هذه المشاعر بشكل صحي، فإنها قد تتراكم بداخله كبركان تحت الضغط، مما يؤدي إلى انفجار طاقته في شكل سلوك عدواني.

 

تظهر هذه السلوكيات العدوانية في أشكال متعددة، والأطفال الصغار دون سن الرابعة على وجه الخصوص، يميلون إلى التعبير عن مشاعرهم من خلال تصرفات جسدية مثل نوبات الغضب، العض، الصراخ، الضرب، ورمي الأشياء. ويمكن أن تشمل هذه التصرفات أيضًا السخرية والتجاهل والعداء. ومع تقدم الطفل في العمر، وخاصة بعد سن الأربع سنوات، يبدأ في استخدام الكلمات كوسيلة للتعبير عن مشاعره بدلاً من اللجوء إلى العنف الجسدي. 

 

احتواء الطفل

في سعي الكبار لتهدئة الطفل أو جعله يتوقف عن السلوك العدواني قد يتبعون أساليب تؤدي إلى تفاقم إحباطه بدلاً من تخفيفه. فالعقوبات مثل الصراخ، أو التهديد بعواقب معينة، تزيد قهر وإحباط الطفل وتعمق من الفجوة العاطفية بينه وبين الأهل. 

لا شك أن التدخل ضروري في كثير من الأحيان وخاصة في المواقف العدوانية التي تسبب أذى لأطفال آخرين.

عندما يكون الطفل غاضباً بشدة ويتصرف بعدوانية قد يكون الحل الوحيد هو إخراجه من الموقف المستفز وإبعاده عن البيئة التي سببت له الإحباط وبعد أن تهدأ حدة غضبه يمكننا الحديث معه عن سبب إحباطه أو إتاحة الفرصة له ليعبر عما بداخله بطرق أخرى غير الكلام كاللعب مثلاً.

 

اللعب وسيلة فعالة لتخفيف توتر الطفل وإحباطه

في حالات الإحباط العميق نجد الطفل يتأرجح بكثرة بين نوبات الغضب والانفعالات العدوانية، ومع تكرار الأمر نشعر بالعجز عن السيطرة على الوضع أو القدرة على تغيير سلوكه بطرق التوجيه التقليدية.

في مثل هذه الظروف، يظهر اللعب كأداة فعالة لتخفيف حدة المشاعر وليس فقط وسيلة للتسلية، لأنه يوفر بيئة آمنة وغير حقيقية يمكن للطفل من خلالها أن يفرغ طاقته العدوانية بشكل إبداعي دون خوف من العواقب. 

على سبيل المثال يمكن أن تساعد بعض الألعاب التي تتضمن نوعاً من العنف الظاهري بطابعها، مثل ألعاب الحرب باستخدام سيوف مصنوعة من الورق المقوى، أو اللعب بالقتال باستخدام الوسائد الناعمة. أيضاً يمكن استخدام أساليب مرحة مثل التظاهر بالتعرض للأذى مع إظهار ردود فعل مبالغ فيها ومضحكة، أو تقليد أصوات الحيوانات التي تتطلب بذل مجهود صوتي قوي يفرغ أي طاقات مكبوتة كامنة مثل زئير الأسد. 

السر في فعالية اللعب هو أن الدماغ لا يفرق بين الواقع والخيال. لذا، فإن هذا النوع من الألعاب يمنح الطفل فرصة للتخلص من مشاعر الإحباط بطريقة آمنة وممتعة، وبالتالي سيصبح أكثر ليونة وسهولة في التعامل مع محيطه. ومع مرور الوقت وتفريغ مشاعره المكبوتة يمكننا أن نطبق الحل الجوهري للمشكلة وهو تعليم الطفل الذكاء العاطفي الذي سيمكنه من مواجهة حزنه أو خيبة أمله بشكل أفضل والتعبير عن مشاعره باستخدام الكلمات المناسبة. 

 

الذكاء العاطفي هو الحل

مع التطور الطبيعي لدماغ الطفل، وخاصة في منطقة القشرة الجبهية الأمامية، من المفترض أن يمتلك القدرة على ضبط ردود أفعاله القوية في الفترة ما بين سن الخامسة والسابعة. قد يحتاج الأطفال الأكثر حساسية إلى مزيد من الوقت وعادةً ما يصلون إلى هذه المرحلة بين سن السابعة والتاسعة. 

من المهم أن ندرك أن الأطفال يولدون مرهفي الحس ولكن دون أي قدرة لغوية للتعبير عن أحاسيسهم. ولذلك من مسؤولية الأهل والمربين تعليمهم لغة تعكس عالمهم الداخلي يعبرون من خلالها عما لا يناسبهم أو ما يحتاج لتغيير من وجهة نظرهم وتدريبهم على إدارة مشاعرهم وتوجيهها بطريقة بناءة.

بالتأكيد المهمة ليست سهلة فهي تحتاج للكثير من الوعي والتدريب المستمر، ومع مرور الوقت سيكبر الطفل ويواجه تحديات جديدة تصقل شخصيته وتمكنه من تطوير مهاراته العاطفية ومن المهم أن نكون عوناً له في هذه المرحلة الحساسة بالاستناد إلى معلومات وطرق منهجية صحيحة وموثوقة، ولذلك نقدم دورة “الذكاء العاطفي، الموجهة للأهل والمربين بحيث تقدم فكرة شاملة عن الذكاء العاطفي بكامل تفاصيله، بالإضافة إلى توضيح الطرق الصحيحة التي يجب أن يتعامل بها المربي والتي تهدف إلى مساعدة الطفل ليفهم مشاعره ويعبر عنها بشكل صحيح، وبالتالي بناء إنسان متوازن مستقل عاطفياً، واثق بنفسه، ناجح اجتماعياً قادر على فهم نفسه والآخرين. 

غزل بغدادي

غزل بغدادي

مستشارة تربوية | مؤسسِة علمتني كنز

هل كان هذا المقال مفيدا لكِ؟ شاركِيه مع الآخرين

نصيحة اليوم

  • نحن معك لتربي طفل واعي جنسياً ❤️

مقالة اليوم

فيديو اليوم

نشاط اليوم

الأكاديمية

تابعنا

المقالات المرتبطة

  • كيف أفهم طفلي؟!

    21 ديسمبر, 2021

  • مع موسم العودة للمدرسة.. كيف نحمي أطفالنا من التنمر

    27 أكتوبر, 2024

  • هل ينجح العنف في تأديب الأطفال؟

    7 أبريل, 2021

كيف أفهم طفلي؟!

21 ديسمبر, 2021

مع موسم العودة للمدرسة.. كيف نحمي أطفالنا من التنمر

27 أكتوبر, 2024

هل ينجح العنف في تأديب الأطفال؟

7 أبريل, 2021